السبت، 29 أكتوبر 2016

طفولة مقتولة



أكبرُ كل يوم عمرا جديدا 
فأنظر خلفي 
لأجد طفلة ..
مازالت تبحث عن ثدي أمها .. وحضن أبيها 
مازالت تبكي ألما ..
كلما أمسكت بالإبرة والخيط 
محاولة أن تجمع القطع التي تناثرت ..
من قلبها 
لكن بحيرة دمٍ أسود اللون 
أغرقتها 
حجبت عنها رؤية قلبها 
وهو يدخل في سم الخياط 
أكلّ هذه الدماء كانت لها ؟
أي طفلة تلك التي كنتُ ؟
لا أذكر 
كبرتُ كثيرا 
حتى أني نسيت ..
كم طفلة قتلت في داخلي 
كم قطعة مزقت من قلبي 
كم عمرٍ سقط ميتاً من ذاكرتي 
نسيت ..
حتى ما عدت أذكر .. كم نسيت ؟
لكن القطعة التي في يدي الآن 
ما زال يجري فيها النبض 
كاللقيط الذي رموه في شارع الموتى 
مازال يقاوم الموت من حوله 
كي أعيش

ــــــــــــــ

الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

لعنة القصيدة

لا تخبر القصائد عني
فنصفها سيلعنني
والنصف الآخر
سيطالبك بقتلي
دعني أتجول بين حروفها بصمت
فقد تحتاجان يوما ما ..
إلى صمتي
 
ـــــــــــــ

الاثنين، 24 أكتوبر 2016

شهوتها


(1)
كمن أصابه مسٌّ من الجن فوجد نفسه فجأة يمشي على الماء .. ورغم شعوره بالعجز عن الوقوف ثابتا أو التحرك مسرعا ، إلا أن نشوة في هذه المعجزة جعلته يتلذذ بعذابه هذا .. هكذا تماما كان يشعر وهو يتعامل معها ، بحذر وخوف وارتباك ونشوة العذاب اللذيذ ، " هكذا يفعل العشق دوما بأهله " .

" ستنهض من كبوتها حتما " " سيرهقها السير وحيدة " " ستعود وستغلبها رغبتها يوما ما " هكذا كان يحدث نفسه دوما كلما اعتلت نشوتهما صهوة العشق فتركته بنشوتها وجسدها وروحها بين يديه ورحلت دون أن تمنحه فرصه الوصول إلى آخر الطريق .. هو يعلم تمام العلم أن شهوتها تغلب رغبتها دوما ، لذا فهو لا يغضب منها مهما فعلت ومهما كان عذابه بها شديدا ، حتى صار يؤمن بسطوتها عليه إلى الدرجة التي جعلته يعتقد في نفسه الضعف ، ولكن هل يكون تفهّم الحبيب ضعفا ؟

كان يعتقد أن الشهوة محدودة برغبات الجسد ، لكنه معها عرف أن للشهوة معان أخرى .. إنها شهوة الانتصار .. الانتصار على كل رغباتها .. الانتصار على الدنيا بكل شهواتها .. الانتصار حتى على نفسها .

اليوم هو يوم التقاء الحسنَيَين .. طال الشوق بينهما بعد آخر حديث قاس كان معها ، فكر بأن يشتري لها هدية تليق بأميرته المدللة ، وكالعادة وقع في ذات الحيرة ، هي تحب الفستاين البيضاء لكنها ترتدي منها الأسود فقط .. ماذا سيشتري ؟

العطور والماكياج والزهور أشياء مفضلة لديها ، لكنها ستتركها في صندوقها الخشبي ولن تستخدم منها شيئا .. وستترك زهورها تذبل أمامها وكأنها تنظر إلى ذاتها التي ذبلت ذات يوم ولم تفكر في إنقاذها .. فبماذا سييأتي لها اليوم ؟

فكر أن يأتي لها بالشيكولاته المفضلة لديها ، لكنها ستقدمها لأول طفل يمر أمامها لتدخل بعدها مطعما صغيرا للفول والطعمية اللذان يكرهان معدتها كراهية العدو اللدود .. فماذا سيفعل ؟

هو يحبها لدرجة الحيرة ولا يريد من أحد أن ينقذه منها ، لذا قرر أن يأتي لها بكل ما تحب وما تكره وسيترك لها الاختيار ، هكذا فقط قد يحصل على رضاها الذي لا يدوم .. شعور سيء أن تذهب لمن تحب بكل شيء وأنت تتوقع منه السخط أو الصمت في أفضل الأحوال .. لكنه مازال يمني النفس بيوم جميل مع الحب الذي حيره وأتعبه وأذاقه ذلك العذاب اللذيذ .. اشترى لها كل ما تحب وما تكره حاملا قلبه بين كفيه لتفعل به ما تشاء .. أمسك هاتفه المحمول وكتب فيه بضع كلمات كرسالة لها لكنه لم يرسلها .. بل تركها على هاتفه حتى يرى ما تحدثه الساعات القادمة .

كتب :

(( برغم عذاباتي .. سأبقى أحبكِ حتى الرمق الأخير ))

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(2)
خرجت كعادتها بعد استحمامها عارية تماما إلا من قطعة واحدة صغيرة كانت أو كبيرة تلفها حول جسدها الممتلئ النحيف ، قد تكون هذه القطعة فوطة أو ملاءة أو عباءة أو قميصا خلعته عنها ملقية به على حافة حوض الحمام .. هي لا تلتفت كثيرا لما يجب فعله وما لا يجب ، قكل شيء عندها يمكن أستخدامه في غير محله ، تماما كما تم استخدامها ذات يوم !!

دخلت غرفة نومها وخلعت عنها تلك القطعة التي كانت تحيط بالنزر اليسير من جسدها ، لتقف عارية تماما أمام مرآتها ، تتأمل جسدها وتفاصيله التي تكرهها ، نعم هي لم تكره شيئا في الدنيا كهذا الجسد الملعون ، هذا الجسد الذي سيظل ملتصقا بها حتى تموت ليذكرها دوما بيوم اغتصاب أركانه وثناياه ، يوم تم انتهاكه علنا بورقة لم تفهم محتواها يومها ، كانت تعتقد أنها ورقة بيع سيارة أو عقار ، حتى اكتشفت أنها ورقة بيع جسدها الملعون لرجل ملعون لم يواري سوءته عنها بحجة أنه زوجها .. ولم يتوانى عن اغتصابها بحجة أنها زوجته التي دفع ثمنها مقدما لأبيها ، وقد كتب بذلك عقدا يمنحه حق امتلاكها مدى الحياة ، لذا فلن يجرؤ أحد على محاسبته فيما يفعل بهذا الجسد ولا حتى هي تجرؤ على الصراخ به أو له ، هي ملك له ومن حكم في ماله فما ظلم !!

كلما تذكرت ما حدث ارتعشت رعبا ، رغم أنها اليوم لم تعد ملكا لأحد .. ولا حتى لحبيبها الذي يجعلها ترتعش أيضا ولكن نشوة وحبا .. لكنها أحيانا تشعر بأنها تكره حبيبها وجسدها معا ، فهما غالبا ما يتفقان عليها ويوشكان أن يعلنا انتصارهما عليها ، لكنها في اللحظة الفارقة تترك كل شيء وترحل ..

نعم هي اليوم المالك الجديد لهذا الجسد وهو إن شاءت أم أبت سيبقى ملتصقا بها حتى تموت ، لذا عليها أن تعقد معه صفقة صلح بعد هذه الهدنة الطويلة ، عليهما أن يتفاهمان ويحبان بعضهما البعض ، عليها أن تحب جسدها كي لا يتعبها بقرح المعدة أو القولون أو الصداع النصفي ، نعم لقد كانت تحاربه حربا ضروسا ، فتقسره على كل ما يكره ، ولكن .. هل يعني هذا أنها ستفقد شهوتها ؟ شهوة انتصارها على رغباتها ؟ شهوة انتصارها على جسدها .. على ذاتها ؟

أتعبها السؤال كما أتعبتها الإجابة .. لكن لكل حرب نهاية ، وهي قد دفعت ما يكفي من خسائر لهذه الحرب ..

اليوم هو يوم التقاء الحسنَيَين .. طال الشوق بينهما بعد آخر حديث قاس كان معه ، بدأت بارتداء ثوبها الأسود .. لا هي اليوم ستبدأ رحلة الصلح مع الأشياء التي أحبتها لأجل حبيبها على الأقل .. ربما تعود لشهوتها في يوم آخر .. أما اليوم فلا بأس ببعض الهزائم .. خلعت ثوبها الأسود لترتدي ثوبها الأبيض الوحيد كشمعة وسط الظلام الذي يحيط بخزانة ملابسها .. وضعت بعض الماكياج الذي يظهر حسنها ولا يخفيها .. تعطرت بعطر حبيبها المفضل ، لم تلمسه منذ وقت طويل جدا

ارتدت حذائها العالي لتبدو أميرة حقيقية كما يحب حبيبها أن يلقبها ، نظرت إلى هاتفها .. هل تبعث له برسالة تطيب لها روحه حتى يلتقيان ؟

كتبتها لكنها ترددت في إرسالها ، فهي مازالت تخشى سطوة شهوتها ، تخشى الندم ، تخشى الهزيمة .. كتبتها لكنها لن ترسلها حتى تراه وجها لوجه وتتأكد من رغباتها .. خرجت إلى موعدها وهي تنتظر ما ستؤول إليه الساعات القادمة .

كتبت :

(( برغم انتصاراتي .. سأبقى أحبكَ حتى الرمق الأخير ))



ــــــــــــــــــــــــ